10/09/2025

خطاب سيف الحاضري..حين تتحول مهاجمة الرئيس عيدروس الزبيدي إلى ستار لتغييب حقائق الأزمة"

 

كتب: عبدالفتاح السقلدي 

 

في كل مرة تشتد فيها الأزمات في اليمن، ويصعد المشهد إلى ذروته، يظهر عدد من الكتّاب الذين يفضلون الاصطياد في المياه العكرة، وتوجيه سهامهم نحو شخصيات بعينها، لا بحثًا عن الحقيقة أو الإصلاح، بل لأغراض سياسية ضيقة وحسابات حزبية مكشوفة. سيف الحاضري أحد هؤلاء، يمارس دور الناقد حين يشاء، ويتجاهل الحقائق الكبرى حين تتعارض مع ميوله السياسية، وأحدث ما كتب ليس سوى نموذج صارخ لهذا السلوك الانتقائي في الكتابة.

يعمد الحاضري إلى تصوير عدن كمركز للفشل، ويحاول اختزال المشهد اليمني المعقّد بشخص الرئيس عيدروس الزبيدي، متجاهلًا عشرات الأسباب والعوامل العميقة التي أنتجت هذا الانهيار، وفي مقدمتها التمرد الاقتصادي الصامت الذي تمارسه بعض المحافظات الواقعة تحت نفوذ حلفائه السياسيين، وعلى رأسها مأرب.

من السهل الحديث عن تردي الخدمات في عدن، لكن من الصعب على أمثال الحاضري أن يكتبوا عن مأرب، التي تحتكر الإيرادات السيادية من نفط وغاز وضرائب، وترفض توريدها إلى البنك المركزي في عدن. ومن السهل الهجوم على المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن من الصعب الاعتراف بأن هناك محافظات باتت تتصرف كأنها دول مستقلة داخل الدولة، تموّل نشاطاتها خارج الإطار القانوني، بينما الشرعية عاجزة عن فرض سلطتها عليها.

المفارقة أن هذه المحافظات، التي لم تورد ريالًا واحدًا إلى خزينة الدولة، تطالب الحكومة الشرعية بدفع رواتب الموظفين وتغطية الخدمات، بينما تصمت أقلام إعلامية، مثل الحاضري، عن هذه المخالفات الصريحة، وتوجه كل نقدها لطرف سياسي لم تُمنح له صلاحيات مالية حقيقية، ولا يملك أي سلطة على الموارد المركزية.

هذا النوع من الخطاب لا يسعى إلى معالجة الأزمة، بل إلى حرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية وراء الانهيار، وتسويق موقف سياسي يحمّل الزبيدي والمجلس الانتقالي مسؤولية تركة ثقيلة تراكمت عبر عقود، وشاركت فيها أطراف ما زالت تتصدر المشهد تحت شعارات فارغة.

فهل يُعقل أن نحمّل عدن – المدينة التي تم إهمالها ماليًا وسياسيًا طوال سنوات – مسؤولية كل الأزمات، بينما تُحجب عنها الموارد وتُحاصر قراراتها؟ وهل من المنطق الحديث عن تدهور الخدمات فيها، دون الإشارة إلى من يحتكر المال العام، ويمنع توريده إلى البنك المركزي؟

الزبيدي ليس فوق النقد، وهو نفسه لم يدّعِ العصمة أو امتلاك الحلول السحرية، لكنه أيضًا ليس أصل المشكلة، ولا يمكن اختزال حالة الانهيار برمتها في شخصه أو في مكوّنه السياسي. ما يحدث هو تضليل للرأي العام، ومحاولة بائسة لتبرئة قوى فاعلة في تعقيد المشهد، عبر رمي المسؤولية على من يطالب بإصلاحات اقتصادية وإدارية، ويدعو إلى ضبط الإيرادات ضمن مؤسسات الدولة.

الجنوب، بقيادة المجلس الانتقالي، واجه تحديات أمنية واقتصادية هائلة، ونجح في تثبيت حالة من التوازن، مقارنة بمناطق أخرى تشهد فوضى واقتتالًا داخليًا وانهيارًا للخدمات، دون أن يجرؤ أحد على الكتابة عنها بنفس الحدة التي يهاجمون بها عدن.

استمرار هذا النوع من الكتابة لا يخدم الحقيقة ولا الإصلاح، بل يساهم في ترسيخ الاستقطاب وتعطيل أي جهود لتصويب المسار. كما أن تجاهل منابع الفساد المالي والازدواج الإداري، مقابل التركيز الحاد على الزبيدي وعدن، يُفقد الخطاب الإعلامي صدقيته، ويحوله إلى أداة تصفية حسابات سياسية.

ما تحتاجه البلاد ليس مقالات انتقائية، بل أصواتًا مسؤولة وشجاعة تسمي الأشياء بمسمياتها. فالدولة لن تُبنى بينما لا تزال الإيرادات خارج إطار الرقابة، والقرار المالي رهينة مراكز قوى حزبية ترفض الخضوع للدستور والمؤسسات الشرعية التي تدّعي الدفاع عنها.

الكاتب الذي لا يطرح السؤال الجوهري: "أين تذهب إيرادات النفط والغاز؟ ولماذا لا تُسلّم إلى البنك المركزي؟"، لا يكتب من أجل الناس، بل يكتب من أجل تياره. والناقد الذي لا يرى الفساد إلا عند خصومه، لا يُمكنه أن يكون شاهدًا على الحقيقة.