الجنوب برس

“السحر… حينما يُغتال العقل بالوهم”
كتب: د. عبدالرقيب الكاش
كتابات وتحليلات الجنوب برس
في مجتمعاتٍ تنهشها الأزمات، وتُحاصرها الظروف الاقتصادية الصعبة، وتغيب عنها الدولة ومؤسساتها التعليمية والصحية، تكثر ظواهر كالسحر والشعوذة. ظواهر لا تعكس حقيقة وجود قوى خارقة بقدر ما تكشف عمق الجهل وسوء الفهم للتقلبات النفسية التي يمر بها الإنسان بطبيعته.
السحر اليوم لم يعد كما يُصوّر في الخيال الشعبي، بل هو في جوهره انعكاس لحالة نفسية مضطربة، يُسيء الناس فهمها. فالنفس البشرية بطبيعتها قابلة للتقلب، والتغير بين الخير والشر، وبين الإيمان والشك. وكل إنسان معرض لهذه التقلبات، لكنها تزداد في البيئات المهدمة، حيث تغيب فرص التعليم والعمل، ويغيب الهدف الذي يسعى له الإنسان.
كما قال ابن خلدون: “إذا غابت الدولة ظهر الدجل والشعوذة، وضاع العلم والعدل والصحة.”
وهذا ما نراه اليوم؛ حيث تنتشر الخرافة في ظل تراجع التعليم، وغياب الخدمات، ويبدأ الناس بتفسير أمراضهم النفسية على أنها “سحر” أو “عين”، في حين أن الحقيقة أبسط من ذلك: إنها أزمة فهم، وأزمة وعي، وأزمة نفس تحتاج للمعالجة العلمية الصحيحة.
حينما يغيب الهدف.. يُخيَّل للإنسان ما ليس واقعًا
الإنسان بلا هدف، يصبح تائه الفكر، تضعف قدرته على التمييز بين الحقيقة والوهم، ويبحث عن تفسيرات خرافية لما يمر به من صعوبات. هنا، تبدأ رحلة التعلق بالأوهام، ويصبح “السحر” ملاذًا مريحًا لتبرير الفشل أو المرض أو ضيق العيش.
وكلما زاد الجهل، زادت قابلية الناس للتأثر بهذه الأوهام. الشخصية الشكية، الحساسة، القلقة، أكثر الناس عرضة للتصديق بهذه الخرافات. فبدلاً من طلب المشورة النفسية، أو اللجوء إلى العلاج العلمي، يذهب البعض إلى من يدّعي معرفة الغيب أو “فك السحر”، ليُعلق أزمته على شماعة غير موجودة.
السحر خداع للعين.. والعقل المنتبه لا يُخدع
لقد ضرب الله لنا مثلًا في كتابه الكريم في قصة سحرة فرعون، وكيف أن سحرهم لم يكن حقيقيًا بل “سحروا أعين الناس واسترهبوهم”.
لكن سيدنا موسى عليه السلام انتصر عليهم بعلم الله، لا بشعوذة، ليكون ذلك درسًا خالدًا: أن العلم هو السلاح الحقيقي لمواجهة الجهل والخرافة.
الحل؟
التعلم، التدريب، الفهم العميق للنفس البشرية، واستشارة المختصين في علم النفس والسلوك. فلا يوجد سحر حقيقي يمكنه أن يتحكم بالإنسان دون إذن الله، لكن هناك أوهام تصنعها العقول المضطربة، تغذيها البيئة الجاهلة، وتستغلها النفوس الضعيفة.
لننقذ مجتمعاتنا من هذا المستنقع، لا بد من حملة وعي صادقة، تُسلّح الناس بالعلم والمعرفة، وتنتشلهم من دوامة الوهم والخوف والتفسير الخرافي لما يمرون به.
فلنطرد بعبع السحر من عقولنا، ولنزرع فيها نور الفهم، وثقة التوكل على الله، والعمل بالأسباب.
والله ولي التوفيق.