17/07/2025

الصواعق في اليمن: ومخاطر الطاقة الشمسية غير المؤمّنة

 

اخبار وتقارير الجنوب برس  

 

شهد اليمن خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا مقلقًا في عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن الصواعق الرعدية، خاصة في مناطق المرتفعات مثل صعدة، عمران، إب، ريمة وحجة. هذا التزايد المفاجئ أثار نقاشًا واسعًا امتزج فيه العلم بالموروث، والتجريب بالخرافة. وفي قلب هذا المشهد المتشابك، يبرز دور أنظمة الطاقة الشمسية التي باتت شائعة في معظم المنازل، لكنها غالبًا تُركّب دون تأريض سليم، مما يجعلها من العوامل المغذية للصواعق.

أولاً: واقع الصواعق في اليمن

تشير تقارير عام 2024، ومنها ما نشرته ArabiaWeather وصحيفة الثورة الرسمية، إلى تسجيل أكثر من 210 حالة وفاة وإصابة خلال عام واحد فقط بسبب الصواعق الرعدية. تتركز هذه الحوادث في المناطق الجبلية التي تتميز ببيئة مثالية لتكوّن السحب الركامية، خاصة خلال فصول الرطوبة العالية.

من الناحية الفيزيائية، تُنتج العواصف الرعدية سحبًا مشحونة كهربائيًا بفعل تصادم جزيئات الماء والجليد داخل الغيوم. وعندما يبلغ فرق الجهد حدًا حرجًا، تنشأ الصاعقة كعملية تفريغ كهربائي عنيف تبحث عن مسار منخفض المقاومة نحو الأرض.

ثانيًا: الطاقة الشمسية وسيناريو الخطر غير المرئي

في ظل غياب شبكة كهربائية رسمية، اتجه اليمنيون إلى حلول الطاقة الشمسية. غير أن غياب المعايير الفنية، وخاصة أنظمة التأريض، حول هذه الألواح من نعمة إلى خطر محتمل.

كيف تسهم الألواح غير المؤرضة في جذب الصواعق؟

تشكّل الألواح المعدنية المرتفعة بيئة مثالية لجذب التفريغ الكهربائي إذا لم تكن متصلة بأرضي.

في غياب التأريض، تنتقل شحنة الصاعقة عبر الأسلاك إلى المحولات والمبنى، مما قد يؤدي إلى حرائق أو انفجارات داخلية أو حتى صعق مباشر.

في بعض الحالات، لم تُصب الصاعقة المنزل مباشرة، بل انتقلت عبر أنابيب معدنية موصولة بالهيكل الشمسي، مهددة حياة القاطنين.

ثالثًا: المعتقدات الخاطئة حول الصواعق.. بين الخوف الشعبي وتغييب العلم

لا تزال الصواعق محاطة بعدد من المعتقدات الشعبية المتوارثة، التي وإن بدت للبعض منسجمة مع الوعي المجتمعي أو التدين الفطري، إلا أنها تفتقر إلى أي أساس علمي، بل وقد تسهم في زيادة الخطر من خلال إهمال الأسباب الحقيقية أو اتخاذ سلوكيات غير مجدية.من بين أكثر تلك المعتقدات شيوعًا، الاعتقاد بأن الصاعقة تصيب من يرتدي اللون الأحمر أو من يشاهد المرايا لحظة نزول المطر، وهو زعم لا يمت للعلم بصلة، إذ لا يوجد أي رابط فيزيائي بين لون الملابس وسلوك البشر وبين احتمال الإصابة. فالصاعقة لا "تبصر" الألوان، بل تنجذب إلى المواد الموصلة، والمواقع المرتفعة، والمسارات ذات المقاومة الكهربائية المنخفضة.

كما ينتشر الاعتقاد بأن الصواعق تضرب من "عليه ذنوب" أو من "يغضب الله"، وهو تفسير أخلاقي/ديني شائع في المجتمعات المحافظة، لكنه يتجاهل الطبيعة العلمية المحضة للصواعق، التي تحدث بسبب تراكم شحنات كهربائية في الغلاف الجوي ولا تفرّق بين شخص وآخر. ومع الاحترام للتفسيرات الإيمانية، فإن التعامل مع الظواهر الطبيعية ينبغي أن يكون مبنيًا على الفهم العلمي والوقاية الفعلية، ففي البلدان المتقدمة وضعوا على البنايات مانعة الصواعق فخفت كثيرا ظاهرة إصابة الناس بها.

ويُظن أيضًا أن الألواح الشمسية تسبّب الصواعق، وهو اعتقاد مغلوط في جوهره. فالألواح لا تخلق الصاعقة، لكنها قد تتحول إلى مسار جذّاب لتفريغها إذا كانت غير مؤمّنة بشكل صحيح، خصوصًا إذا غاب التأريض الأرضي.

ومن الأفكار التي تُتداول كذلك، أن وجود مانعة صواعق على سطح المنزل كافٍ تمامًا للحماية، لكن هذه الفكرة ناقصة. فالمانعة إن لم تكن موصولة جيدًا بنظام تأريض فعال، قد تتحول إلى سبب إضافي للخطر، إذ تجذب الشحنة دون أن توفّر لها مخرجًا آمنًا إلى الأرض.

وفي سياق الموروث الشعبي، يعتقد البعض أن سماع الأغاني، أو الضجيج، أو "الصياح" أثناء العواصف يجلب الصواعق. ولا يوجد أي أساس علمي لهذا الربط، فالصاعقة لا تتأثر بالصوت أو سلوك البشر، غير أن الأفضل التزام الصمت أثناء الرعد والمطر تأدبًا مع عظمة الحدث الرباني ونعمة المطر، وهو موقف روحي وديني رائع لكنه لا يرتبط بحدوث الصاعقة من الناحية الفيزيائية.

كذلك، يُحذّر البعض من الوقوف عند الأبواب أو النوافذ أثناء العواصف بدعوى أن ذلك يجلب الصاعقة. علميًا، لا يُعد هذا الفعل خطرًا في حد ذاته، ما لم تكن النوافذ أو الأبواب تحتوي على هياكل معدنية موصلة قد تنقل الشحنة إذا كانت الصاعقة قريبة جدًا، وهو أمر نادر.

أما عن الهواتف المحمولة وأبراج الاتصالات، فكثيرًا ما يُتهم استخدامها أو وجودها بالقرب من الشخص بجذب الصواعق. والصحيح أن الهواتف المحمولة نفسها لا تجذب الصواعق إطلاقًا، وليس لحملها أي تأثير يُذكر. أما الأبراج، فرغم أنها من النقاط التي قد تصيبها الصاعقة فعلًا بسبب ارتفاعها، إلا أنها غالبًا تكون مجهزة بأنظمة حماية وتأريض خاصة تمنع انتقال الشحنة إلى الأجهزة أو الأفراد.

رابعًا: كيف نحمي أنفسنا وممتلكاتنا؟

✅ تركيب تأريض احترافي باستخدام قضيب نحاسي بطول لا يقل عن مترين، يُغرس في تربة رطبة، ويرتبط بجميع مكوّنات النظام الشمسي.

✅ مانعة صواعق فعّالة مربوطة بنقطة التأريض ذاتها.

✅ استخدام واقيات الجهد الزائد (Surge Protectors) داخل المبنى.

✅ فصل الأجهزة خلال العواصف وقطع الدارات مؤقتًا.

✅ رفع الوعي المجتمعي عبر حملات تثقيفية دينية وعلمية لتفكيك المعتقدات الخاطئة.

خامسًا: كيف تُبنى مانعة الصواعق بشكل سليم؟

تُعد مانعة الصواعق (Lightning Rod) خط الدفاع الأول في حماية المباني من مخاطر التفريغ الكهربائي المفاجئ. لكنها لا تقوم بدورها إلا إذا بُنيت وفق شروط هندسية دقيقة، تضمن توجيه الشحنة الكهربائية بأمان إلى الأرض دون المرور عبر مكونات المبنى.

✅ الخطوات الأساسية لبناء مانعة صواعق فعالة:

اختيار الموقع الأعلى في المبنى

يجب تثبيت المانعة في أعلى نقطة (غالبًا على السطح أو القمة)، بحيث تكون مكشوفة بشكل كامل وغير مظللة بأي هيكل آخر.