الجنوب برس

ولادة الرعب: كيف امتلكت الولايات المتحدة القنبلة النووية؟ وهل امتلاكها ضرورة تاريخية... أم خطيئة لا تُغتفر؟
اخبار وتقارير الجنوب برس
في قلب القرن العشرين، وبين أزيز الحرب العالمية الثانية، شرعت الولايات المتحدة في مشروع علمي وعسكري غير مسبوق في تاريخ البشرية. كان الهدف واضحًا: امتلاك سلاح قادر على تغيير مجرى الحرب، وربما شكل العالم. هكذا وُلدت القنبلة النووية، وهكذا امتلكتها أمريكا لأول مرة. هذه قصة العلم والسرية والقوة، لكنها أيضًا قصة الشك والندم والخوف الذي ما زال يطارد البشرية حتى اليوم.
التسلسل الزمني الدقيق: من الفكرة إلى الانفجار
1938: اكتشاف الانشطار النووي في ألمانيا
في ديسمبر 1938، أعلن العالمان الألمانيان أوتو هان وفريتز شتراسمان عن اكتشاف الانشطار النووي لذرة اليورانيوم. قامت ليز مايتنر وزميلها أوتو فريش بتفسير العملية، مشيرين إلى إمكانية إطلاق طاقة هائلة من الذرة.
هذا الاكتشاف كان بمثابة ناقوس خطر للعلماء، خاصة أولئك الهاربين من النازية في أوروبا.
1939: أينشتاين يحذر روزفلت
في 2 أغسطس 1939، كتب ألبرت أينشتاين، بتشجيع من الفيزيائي المجري ليو زيلارد، رسالة إلى الرئيس فرانكلين روزفلت، يحذره فيها من احتمال قيام ألمانيا بتطوير قنبلة نووية.
في أكتوبر 1939، أنشأت الحكومة الأمريكية لجنة أبحاث اليورانيوم لبحث مدى جدية هذه الإمكانية.
1942: إطلاق مشروع مانهاتن
في 17 يونيو 1942، تم إنشاء "مشروع مانهاتن" رسميًا، تحت إشراف الجيش الأمريكي بقيادة الجنرال ليزلي غروفز، والتوجيه العلمي من الفيزيائي الشهير روبرت أوبنهايمر.
المشروع كان موزعًا على عدة مواقع سرية في الولايات المتحدة، من أبرزها:
لوس ألاموس (نيو مكسيكو): مركز التصميم والتجميع.
هانفورد (واشنطن): لإنتاج البلوتونيوم.
أوك ريدج (تينيسي): لتخصيب اليورانيوم.
1945: سنة القنبلة
16 يوليو 1945 – تجربة ترينيتي
في صحراء ألاموغوردو بولاية نيو مكسيكو، فجّرت الولايات المتحدة أول قنبلة نووية في التاريخ في تجربة أطلق عليها اسم "ترينيتي".
كانت القنبلة من نوع البلوتونيوم، تشبه تلك التي ستُلقى لاحقًا على ناغازاكي
أوبنهايمر، وهو يشاهد الانفجار، استحضر جملة من نصوص البهاڤاد غيتا:
> "الآن أصبحت الموت، مدمّر العوالم."
6 أغسطس 1945 – هيروشيما
ألقت الطائرة الأمريكية إينولا غاي قنبلة من اليورانيوم 235، سُمّيت "Little Boy"، على مدينة هيروشيما اليابانية.
قُتل ما يقارب 70,000 شخص في اللحظة الأولى، وارتفع العدد لاحقًا إلى أكثر من 140,000 بسبب الإشعاعات والجروح
9 أغسطس 1945 – ناغازاك
قُصفت مدينة ناغازاكي بقنبلة من البلوتونيوم، سُميت "Fat Man".
خلفت القنبلة حوالي 40,000 قتيلًا فورًا، وعددًا مماثلًا من المصابين والوفيات اللاحقة.
15 أغسطس 1945 – استسلام اليابان
بعد ستة أيام من ناغازاكي، أعلنت اليابان استسلامها، لينتهي بذلك كابوس الحرب العالمية الثانية.
كانت القنابل النووية إحدى العوامل الحاسمة في قرار الاستسلام.
ما بعد القنبلة: سباق التسلح والندم
1946 – قانون الطاقة الذرية
بعد الحرب، أنشأت الولايات المتحدة لجنة الطاقة الذرية لتنظيم الأبحاث والاستخدامات النووية.
1949 – الاتحاد السوفيتي يرد
فجّر الاتحاد السوفيتي أول قنبلة نووية له، منهياً احتكار أمريكا للسلاح النووي، وبداية الحرب الباردة وسباق التسلح.
الندم العلمي
العديد من العلماء المشاركين في مشروع مانهاتن، مثل أوبنهايمر وزيلارد، أعربوا عن ندمهم، وسعوا لاحقًا للحد من انتشار السلاح النووي.
لاحقًا، تم سحب التصريح الأمني من أوبنهايمر بعد اتهامه بالتعاطف مع الشيوعيين.
بين التفوق والتهديد
امتلاك الولايات المتحدة للقنبلة النووية لم يكن مجرد حدث عسكري أو تقني، بل لحظة فاصلة في تاريخ البشرية. لقد وُلد عصر جديد: عصر الذرة، حيث أصبح مصير العالم رهينًا بزر صغير في يد قادة الدول. لقد كانت القنبلة وسيلة لإنهاء الحرب، لكنها أصبحت بعد ذلك سببًا دائمًا للخوف، ورمزًا مزدوجًا للعلم والدمار.
اليوم، وبعد مرور أكثر من 80 سنة، ما زال السؤال مطروحًا: هل امتلاك هذا السلاح كان ضرورة تاريخية... أم خطيئة لا تُغتفر؟